وعن زرارة بن أعين قال: سمع سائل في جوف الليل، وهو يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة، فهتف هاتف من ناحية من البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه: ذاك علي بن الحسين (1).
عن الزهري قال: دخلت مع علي بن الحسين (عليهما السلام) على عبد الملك بن مروان قال: فاستعظم عبد الملك ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين، فقال: يا أبا محمد لقد بان عليك الإجتهاد، ولقد سبق لك من الله الحسنى، وأنت بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقريب النسب وكيد السبب، وإنك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وذوي عصرك، ولقد أوتيت من العلم والفضل والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك، إلا من مضى من سلفك، وأقبل يثني عليه ويطريه، قال: فقال علي بن الحسين: كلما ذكرته ووصفته من فضل الله وتأييده وتوفيقه، فأين شكره على ما أنعم، إلى أن قال: والله لو تقطعت أعضائي وسالت مقلتاي على صدري لن أقوم لله جل جلاله بشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون، ولا يبلغ حد نعمة منها علي جميع حمد الحامدين، لا والله أو يراني الله لا يشغلني شئ عن شكره وذكره في ليل ولا نهار ولا سر ولا علانية، لولا أن لأهلي علي حقا ولسائر الناس من خاصهم علي حقوقا لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤديها إليهم، لرميت بطرفي إلى السماء وبقلبي إلى الله، ثم لم أردهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين، وبكى (عليه السلام) وبكى عبد الملك... (2).
هذه قطرة من بحر عرفانه بربه وعبادته لإلهه، ولابد لأهل الفضل من النظر في صحيفته السجادية التي هي زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعراج الأولياء ومنهاج الأصفياء التي عجزت عن إدراك دقائقها عقول الحكماء، واندهشت من لطائفها