" أشهد أن دمك سكن في الخلد، واقشعرت له أظلة العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع والأرضون، وما فيهن وما بينهن، ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا، وما يرى وما لا يرى " (1). ولا مقام أرفع من هذا المقام، فإن سكنى دمه الذي هو من عالم الدنيا ودار الفناء في دار البقاء وجنة الخلد، يكشف عن انقلاب الدم الذي هو من عالم الملك بمجاورة روحه إلى عالم الملكوت، وبلغ من الطيب والطهارة إلى مرتبة قال الله سبحانه: {إليه يصعد الكلم الطيب} (2).
فما أعظم شأن دم عظمت رزيته على جميع الخلائق من الماديات والمجردات.
هذا ما يتعلق بدمه، ولقد جف القلم مما يتعلق بروحه، وقد قال الله سبحانه:
{يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية} (3).
وقد جعله الله خازن وحيه وأكرمه بالشهادة، وختم له بالسعادة، وهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة (4)، وهو ثار الله وابن ثاره، وخاتم أهل المباهلة وخامس أهل الكساء، وفاتح أبواب الهداية والعلم والعبادة بالتسعة الذين بهم قام الدين والدنيا، وبالتاسع من ولده يحيي الله الأرض بعد موتها ويملأ الله الأرض به قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.
والسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.