مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ٣١٩
فهو الذي تخلق بأخلاق الله، وتجلت فيه أسماء الله، بغفرانه الذنوب، وستره العيوب، وظهور الرحمة العامة والخاصة من حضرته.
وقد أمره أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما أن يخطب، قام فقال: " الحمد لله الواحد بغير تشبيه، الدائم بغير تكوين، القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، الموصوف بغير غاية، المعروف بغير محدودية، العزيز لم يزل قديما في القدم، ردعت القلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزته، وخضعت الرقاب لقدرته، فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم لكنه عظمته، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكر بتدبير أمورها، أعلم خلقه به الذي بالحد لا يصفه، يدرك الأبصار، ولا تدركه الأبصار، وهو اللطيف الخبير.
أما بعد، فإن عليا باب من دخله كان مؤمنا، ومن خرج منه كان كافرا، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ".
فقام علي بن أبي طالب وقبل بين عينيه، ثم قال: " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " (1).
فقد جمع (عليه السلام) في هذه الخطبة القصيرة جميع ما يتعلق بالمعارف الإلهية، مما يتعلق بذاته تعالى وصفاته وأفعاله.
وقد اشتمل قوله (عليه السلام): " الحمد لله الواحد بغير تشبيه " في بدء خطبته على الإثبات والنفي، أي حقيقة التوحيد، وإخراج العقول عن حد التعطيل والتشبيه.
وفي قوله (عليه السلام) في ختامها: " اعلم خلقه به الذي بالحد لا يصفه " إبطال التفكر في ذاته وصفاته، وأن كل وصف إلا ما وصف الله به نفسه ينتهي إلى التحديد، وهو تثنية

(١) تفسير فرات الكوفي ص ٨٠ ذيل آية ٣٤ سورة آل عمران، الدروع الواقية ص ١٨٨ ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) لابن عساكر ص 145.
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»