مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٦٨
عنده إلى الخير والصلاح، وتكتسي ثوب العدل، ولبيان ذلك نضرب مثالا:
إن الإنسان يرى أن الطوفان الجارف يكتسح مزرعته والسيل العارم يهدم منزله، والزلزلة الشديدة تقتلع بنيانه، ولأجل ذلك يصفها بالبلاء، دون أن يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث والظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أخرى من الحياة البشرية.
وما أشبه حال هذا الإنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر يرى جرافة تحفر الأرض وتهدم بناء وتثير الغبار والتراب في الهواء، فيقضي من فوره بأنه ضار وسئ، ولكن المسكين لا يدري بأن ذلك يتم تمهيدا لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى ويعالج المصابين ويهيئ للمحتاجين للعلاج، وسائل المعالجة والتمريض ولو وقف على تلك الأهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى، ولوصف ذلك التهديم بأنه خير.
إذا علمت ذلك، فنحن نذكر مثالا من نفس ما نحن بصدده.
إذا هبت عاصفة هوجاء على السواحل، فبما أنها تقطع الأشجار وتدمر المنازل القريبة من الساحل، حينها توصف بالشر والبلية، ولكنها من جهة أخرى خير محض حيث توجب حركة السفن الشراعية المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الرياح وبذلك تنقذ حياة المئات من ركابها اليائسين من النجاة.
إن هذه العاصفة وإن كان يكمن فيها الشر لكنها في نفس الوقت وسيلة فعالة في عملية تلقيح الأزهار، وإثارة السحب للمطر، وتبيد الأدخنة الضارة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل، إلى غير ذلك من الآثار المفيدة لهبوب الرياح التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة.
إن السبب لوصف بعض الحوادث بالشرور والبلايا هو ضيق علم الإنسان
(٦٨)
مفاتيح البحث: البلاء (1)، السب (1)، الزلزلة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»