مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٣٥
عند الشدة يكشف عن ساقه ويخوض غمار الحوادث.
ب: * (ويدعون إلى السجود) * لا طلبا وتكليفا جديا، بل لازدياد الحسرة، فلا يستطيعون، إما لسلب السلامة عنهم، أو لاستقرار ملكة الاستكبار في سرائرهم.
ج: * (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) * والمعنى أنهم لما دعوا إلى السجود في الدنيا امتنعوا عنه مع صحة أبدانهم، وهؤلاء يدعون إلى السجود في الآخرة ولكن لا يستطيعون، وما ذلك إلا لتزداد حسرتهم وندامتهم على ما فرطوا.
4 - * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) *. (1) وقد استدل بها الشيخ الأشعري على ما يروم من جواز التكليف بما لا يطاق، وقال: وقد أمر الله تعالى بالعدل ومع ذلك أخبر عن عدم الاستطاعة على أن يعدل. (2) أقول: لا شك أنه سبحانه أمر من يتزوج بأكثر من واحدة بإجراء العدالة بينهن، قال سبحانه: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) * (3) وفي الوقت نفسه صرح في آية أخرى بأن إجراء العدالة بينهن، أمر غير مقدور، ومع ذلك نهى عن التعلق بواحدة منهن والإعراض عن الأخرى حتى تصبح كالمعلقة لا متزوجة ولا مطلقة.
وبالتأمل في الآية يظهر بأن العدالة التي أمر بها غير العدالة التي أخبر عن عدم استطاعة المتزوج القيام بها، فالمستطاع منها هو الذي يقدر عليه كل متزوج بأكثر من واحدة، وهو العدالة في الملبس والمأكل والمسكن وغيرها من الحقوق

(١) النساء: ١٢٩.
(٢) لاحظ الاستدلال بهذه الآيات في كتاب اللمع للإمام الأشعري: ٩٩ - ١١٤.
(٣) النساء: ٣ -
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»