نطلب العلم في النجف إذ ذاك، فما هو يا ترى، منشأ هذه الخصوصية في الحاضر المذكورة؟
يترائى لنا أن السر في (البيئة) فإنها منشأ ما رأيت من كثرة الشعراء في النجف والبيئة كلمة نريد منها حيث نطلقها فيما نحن فيه مجموع المؤثرات الخارجية والذهنية - وفي مصطلح كتاب العصر المؤثرات المادية والمعنوية التي تؤثر في تكوين الشخصية الإنسانية من أوضاع خاصة بالزمان والمكان والثقافة والأخلاق وقد انتبه المفكرون من علمائنا السابقين إلى أثر البيئة في تكوين خصائص الكائنات إجمالا ومن أقوالهم المأثورة " إن لله أسرارا في الأزمنة والأمكنة والبقاع " وغير ذلك، ففي النجف توجد من جهة بعض وسائل الثقافة وأدواتها من مدارس ومعاهد ودور كتب، وتشاهد حلقات الطلاب والمحصلين أثناء مذاكرتهم ترسم لنا صورة من تلك الصور المأثورة في المجتمع الاسلامي القديم وتمثل لنا حلقات البصرة ومجالس الكوفة المعروفة وليس لنا أن نستكثر ذلك على بلد الغريين فإنها سواء في عصور الجاهلية أو الإسلام ذات صلة لا تنكر بمراكز الثقافة والتهذيب، فالنجف في جاهليتها قطعة من الحيرة عاصمة المناذرة أو عاصمة عرب العراق قبل الإسلام حيث عاش الأدب الجاهلي في كنف القوم ووفد عليهم فحول شعراء الجاهلية من أقصى نجد والحجاز هذا