مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦٢ - الصفحة ٢٥٥
الحمل على ما ذكرتموه، لكن من أنعم (1) النظر فيها، فأعطى التأمل حقه، علم أن المأثور في تفسيرها عن أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أليق بسياقها الأخير.
فإنها لم تبق على السياق الأول، لأن الله عز سلطانه بعد أن حرم فيها تلك الخبائث، وأكد تحريمها بقوله عز من قائل: * (ذلكم فسق) *، قال على سبيل الاعتراض: * (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون) *..
فربط بهذا على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وأنهضهم إلى الأخذ بأحكام الدين، وشحذ عزائمهم على إقامة شرائع الإسلام، ونفخ فيهم من روح الطمأنينة والسكينة ما لا يأبهون معه بالكفار.
وكان بعض المسلمين قد رهقهم الخوف من مخالفة الأمم بما تعبدهم الله به من حلاله وحرامه وسائر شرائعه وأحكامه، وربما خافوا من الكفار أن يلغوا تلك الشرائع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان الكفار يطمعون في ذلك، فأراد الله تبارك وتعالى تأمين المسلمين على دينهم، فبشرهم بقوله وهو أصدق القائلين: * (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) *..
أي بما أنعمت به عليكم من السطوة القاهرة، والدولة المتسقة، فأصبح الكفار بها أذلاء خاسئين، ويئسوا بسببها من تغلبهم على دينكم، فلن يطمعوا بعد هذا في الاستيلاء عليكم أبدا..
وحيث بلغتم هذه المثابة من العز والمنعة فلا تخشوهم، أي لا تخافوا من مخالفتكم إياهم في هذه الشرائع وإن نقموها عليكم،

(١) أنعم النظر في الشئ: إذا أطال الفكرة فيه، انظر: لسان العرب ١٤ / 213 مادة " نعم ".
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»
الفهرست