مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٥ - الصفحة ١٠٨
كما أن التمعن في أخبار التهذيب يكشف هو الآخر عن استقصاء الشيخ لأدلة الفقه من الأخبار المتفقة وإن لم يذكرها كلها في التهذيب عند تعرضه لشرح أقوال شيخه المفيد وبيان مستندها، إذ أقصى الكثير منها واكتفى ببعضها للعلة المذكورة في تركه الكثير من الأحاديث المختلفة.
ونظرة سريعة واحدة إلى أي باب من أبواب الوسائل تشعرك بهذا، وكم من حديث تجده مخرجا عن الكافي أو الفقيه أو غيرهما من الكتب التي اعتمدها الشيخ وبشكل مطرد، ولكنك لا تجده لا في التهذيب ولا في الإستبصار، بل تجد نظيره!
وفي هذا دلالة واضحة على استفراغ الشيخ ما في وسعه لتتبع واستقصاء أدلة الأحكام الفرعية والوقوف عليها عن كثب، ثم إقصاء ما شاء منها واختيار ما وافق مسلكه في الاختصار.
وكدليل آخر على تلك الجهود المضنية غير المنظورة أيضا، تنبيهه على ما لم يؤخذ من فتاوى الشيخ المفيد من جهة الأثر، كقوله مثلا في باب أوقات الصلاة: " فأما ما ذكره رحمه الله من اعتبار الزوال بالأصطرلاب والدائرة الهندسية، فالمرجع فيه إلى أهل الخبرة، وليس مأخوذا من جهة الأثر " (1).
ولا يخفى أن فقدان النص المؤيد لتلك الفتيا لا يضر بصحتها، لأن الرجوع إلى أهل الخبرة في كل فن من المرتكزات العقلية التي لا تنكر، ومع هذا قد يكون لها مستند من نصوص عامة، وإن لم يكن في خصوصها ثمة أثر.

(١) تهذيب الأحكام ٢ / 26 ذ ح 74 باب 4.
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»
الفهرست