على أن بعض تلك القرائن - كموافقة الخبر للإجماع - كاشفة عن احتمال كون الأصل هو القطع بالصدور، ولكن لسبب ما، لم يصل العلم بهذا القطع إلى الشيخ، بل وصلت آثاره إليه أعني الإجماع على العمل بمضمون ذلك الخبر، والإجماع يكشف - بدوره - عن صحة ما تضمنه الخبر، وإن احتمل عدم صدوره.
فهاهنا أمران: خبر، وإجماع، وبما أن مضمون الخبر متطابق مع الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام)، فإنه إذا احتملنا كون الأصل في الإجماع هو ذلك الخبر بعينه، وقوي ذلك الاحتمال بقرينة ما، فسيكون الخبر قطعي الصدور.
وإذا احتملنا كون الأصل غيره، فسيكون ظني الصدور، ولكن لنكتة الموافقة وجب العمل بالمضمون، وهذا لا يضر حتى مع احتمال كون الخبر موضوعا، لأن العمل في الواقع إنما هو عمل بالقرينة - وهي الإجماع - وليس بالخبر.
وقد نبه الشيخ على هذا في كتاب العدة في أصول الفقه، فقال:
"... إن كانت هناك قرينة تدل على صحة ذلك - يعني: صحة ما تضمنه الخبر - كان الاعتبار بالقرينة " (1).
وعلى أية حال، فإن النحو الثاني من القرائن القطعية الموجبة للعلم، تخرج الخبر - غير المتواتر - المطابق لها عن خبر الآحاد، وتلحقه من جهة العمل بالمتواتر، وعلى هذا تكون موجبة للعمل به كما أوجبت العلم بمضمونه.