ومن بين تلك المميزات الظاهرة ابتداء من مقدمته: امتزاج علم رواية الحديث مع علم درايته، وكذلك تخصصه بجمع الأحاديث المختلفة والمتعارضة مع صب كل الطاقات العلمية في سبيل إيضاح حقيقة تلك الأخبار، ومقدار صحتها، عبر دراستها ونقدها، وبيان الوجه في اختلافها وتعارضها، وكيفية الجمع بينها، وترجيح بعضها على بعض بشاهد النقل أو الاعتبار.
إذا هو ليس من قبيل أكثر كتب الحديث عند الفريقين التي اقتصرت على رواية الحديث وتصنيفه وتدوينه.
وهذا لا يعني سلب الإسهامات الكبيرة التي قدمها المحدثون الكبار لخدمة الحديث الشريف من أمثال ثقة الإسلام الكليني (ت 329 ه) الذي استطاع - بعد عشرين عاما من العمل الدؤوب - أن ينقل الحديث الصحيح وما رآه مقاربا إليه من دور اختلاطه بآلاف الأحاديث الضعيفة والموضوعة إلى دور الفصل والتنسيق والتصنيف والترتيب على أبواب أصول الشريعة وأحكامها كافة.
ومن هنا، كانت فتاوى الصدوق المنتزعة من نصوص الأخبار التي كان يراها صحيحة وحجة بينه وبين الله عز وجل - كما في كتابه الفقيه - موجودة بالنص أو المضمون في كتاب الكافي.
وما نعنيه هو أن الشيخ الطوسي كان الحد الفاصل بين طور النظرية في مجال الحديث المختلف والمتعارض وبين طور التطبيق، كما كان ثقة الإسلام من قبل حدا فاصلا بين بعثرة الصحيح وبين جمعه بحسب وسعه وطاقته.
وهذا هو ما صرح به الشيخ الطوسي في مقدمة الإستبصار، فقال معبرا