مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٣ - الصفحة ١٧٤
مع علمهم بأنه مغمى عليه ولا يدرك الأمور؟!
وكيف يطلق " الهجر " و " غلبة الوجع " على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! ومن له كمال الوعي في انتخاب المواقف، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لهم: " ائتوني "، ويقول: " قوموا عني "، وغيره؟! ولا يمكن إطلاق الهجر على من تتخذ له المواقف وعلى لسانه وهو مغمى عليه لا يدري ماذا يجري من حوله؟!
نعم، إنهم أخذوا بقول عمر بن الخطاب في تعيين أعضاء الشورى الستة وهو مريض، ولا يأخذون بكلام سيد الأمة والمرسلين وهو يريد إبعادهم عن الضلالة، والذي قال عنه الوحي: * (ما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) *!!
رابعا: إن اتهام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجر وغلبة الوجع، كان يستبطن دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمهادنة في أوامر الله تعالى ونواهيه، ومنها دعوته لعدم كتبه للوصية التي أراد كتابتها، فكأنهم دعوه إلى ترك الأمور سدى، بترك تعيين الخليفة، وترك التدوين، كما دعوه من قبل لأن يمتثل لكثير من طلباتهم التشريعية، كصوم الدهر، وعدم الإحلال إلا معه، و...
وفي مقابل ذلك كانوا يرون أن لا بد من فتح باب الرأي والاجتهاد وأن تختار قريش لأنفسها كما صرح بذلك عمر بن الخطاب من بعد!
فكان جواب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قاطعا وحاسما، ذلك بقوله: " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه " فقد دلل (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنه كان بكامل قواه العقلية، وأنه كان يأمر عن الله وينهى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه لا يبدل حكما من تلقاء نفسه، فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) في وضع خير من الوضع الذي يريدونه له ويدعونه إليه من الإفتاء بالرأي والمساومة في أوامر الله ونواهيه، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى آخر حياته متعبدا بأوامر الله تعالى، غير مفت في
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست