نعم، إن أصحاب نهج الاجتهاد والرأي أرادوا التخلص من هذه المقولة فسعوا لتأويلها بأعذار اخترعوها، كقولهم: إن كلام الرسول جاء للامتحان والاختبار ولم يلحظ فيه التشريع والعزيمة حتى يلزم فعله، بل يجوز للمكلف تركه، لكونه رخصة جائزة الترك، وإن الله هدى عمر بن الخطاب لمعرفة كون هذا الأمر رخصة فمنعهم من أخطارها، إشفاقا من أن يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشئ ولا يطاع في أمره، أو إشفاقا منه على الأمة إذ خشي أن يكتب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمورا يعجز عنها الناس فيستحقون العقوبة بتركها، لكونها منصوصة لا سبيل للاجتهاد فيها.
لكن هذه المقولات وما يضارعها باطلة لعدة جهات:
أولها: إن عد فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - طلب إحضار الدواة - مجرد اختبار لا غيره يلزم منه تجويز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للكذب الواضح، الذي يجب تنزيه الأنبياء عنه، ولا سيما في موضع كان ترك إحضار الدواة أولى من إحضارها حسب هذا التقول المزعوم...
ثانيا: إن الوقت، لم يكن وقت اختبار وامتحان، ولو كان كذلك لحصل في طول المدة التي صاحبوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها، بل كان الوقت وقت إنذار وإعذار وإبلاغ وإكمال.
ويمكن أن تفهم هذه الحقيقة من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا تضلوا بعده "، فهذه الجملة تؤكد على أن الطلب لم يكن طلب اختبار - كما يقولون - لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أعقب طلبه بجملة " لا تضلوا "، وهي تفيد العزيمة لا الرخصة، وإن السعي في تحقق الأمن من الضلال هو من شرائط الرسالة ومهام الرسول، وهو مما يجب تحقيقه مع المقدرة عليه.
أضف إلى ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " قوموا عني "، فهو الآخر يشير إلى أن