مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٣ - الصفحة ١٧٣
الأمر للإيجاب لا للمشورة، فلو كان المانعون - من إتيان الكتاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - مصيبين في استنتاجهم لاستحسن (صلى الله عليه وآله وسلم) ممانعتهم، وسر من موقفهم هذا، لإصابتهم الحق، لكن الحال أننا نراه قد امتعض واستاء من فعلهم وقال غاضبا: " قوموا عني "، معرضا عن آرائهم وتقولاتهم، لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) علم أن هذا القول سيكون بداية استحكام تيار الرأي أمام السنة المطهرة.
والأقوى من هذا كله أن جملة عمر بن الخطاب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " غلبه الوجع "، أو: " إن الرجل ليهجر " تؤكد على أن عمر عرف من الأمر العزيمة لا الرخصة، لأنا نراه قد جد في عدم تحقق الكتابة، فلو كانت رخصة لما ألزم عمر نفسه للقول بما قاله.
وبهذا فقد عرفنا أن هؤلاء قد ابتعدوا عن نهجه، وعصوه في أمره، وحكموا تيار الرأي أمام السنة وهو حي!
ثالثا: إن الواقعة واضحة وظاهرة في اختلاف الضوابط بين الاتجاهين، فالذين نهوا عن الكتابة كانت حجتهم مرض النبي وعدم قدرته (صلى الله عليه وآله وسلم) على إقرار القرار الصائب، لقولهم عنه: " غلبه الوجع " و: " إن الرجل ليهجر "، لكن الآخرين كانوا لا يقبلون هذا التخرص في حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن الطريف أن نرى أتباع نهج الاجتهاد والرأي والداعين إلى ترك الأخذ بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه - لقول عمر عنه: غلبه الوجع - نراهم يأخذون بما أضافه عثمان بن عفان في وصية أبي بكر قبيل موته، مع علمهم بأن عثمان قد تصرف في وصية أبي بكر وهو مغمى عليه!!
فلم لم يعد إدخال اسم عمر بن الخطاب في وصية أبي بكر هجرا،
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست