مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٣ - الصفحة ١٣٧
لا يدل بحال من الأحوال على نهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن التدوين.
هذا، مع أن أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) الصحابة بالحفظ والسماع وتلقي الأحاديث يكون عاما شاملا لحفظ حديثه كتابة أيضا، لأن حفظ كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يختص بحفظه في الذهن عبر القوة الحافظة، بل يشمل حفظه بشتى الطرق، والتي تكون أبلغها الكتابة والتدوين، وهذا هو معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من حفظ على أمتي أربعين حديثا... " (1).
فالمحافظة على الحديث النبوي لا يختص بحفظه عن ظهر قلب، بل يمكن تحققه بتدوينه كتابة، بل يمكن القول بأن المحافظة عليه بالكتابة هي الأجدر والأنفع، ولهذا نرى العلماء يؤلفون " الأربعينات الحديثية ".
وعليه: فإن الدعوة إلى الحفظ الذهني، وتخصيص حفظ الحديث بالحفظ عن ظهر قلب، فيه من المسامحة ما لا خفاء فيه، إذ جاء عن الصادق (عليه السلام): " القلب يتكل على الكتابة " (2) وأصرح منه قوله: " اكتبوا، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا " (3).
ولو سلمنا عدم إرادة ذلك كله، فإن لنا أن نقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الصحابة بعدم تدوين كلامه وحديثه ضمن القرآن المجيد، بل كان يأمر بتدوين القرآن مستقلا، والحديث مستقلا لئلا يختلطا.
وهذا الذي قلناه يدل عليه ما روي عن أبي هريرة من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الصحابة بجمع الكتب فقال: " من كان عنده منها شئ

(١) أنظر مثلا: مشكاة المصابيح ١ / ١١٧ ح ٢٥٨، كنز العمال ١٠ / ٢٢٤ - ٢٢٦ ح ٢٩١٨٢ - ٢٩١٩٢، إتحاف السادة المتقين ١ / ٧٥ و ٧٧.
(٢) أصول الكافي ١ / ٧٢ ح ١٤٦.
(٣) أصول الكافي ١ / 72 ح 147.
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست