مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤١ - الصفحة ١١٤
إنه يقول: " من عاد لمثلها فاقتلوه "!! (16).
وفي هذا وحده دليل كاف على إلغاء صفة الشرعية عن تلك البيعة، فإنما هي بيعة ساقتهم إليها الأحداث، فلا يصح العودة لمثلها بحال.
وهكذا دافع عنها أبو علي الجبائي والقاضي عبد الجبار، فقالا: إن الفلتة ليست هي الذلة والخطيئة، وإنما تعني البغتة من غير رؤية أو مشاورة، ويقصد عمر بقوله " من عاد إلى مثلها فاقتلوه " أن من عاد إلى الطريقة التي تمت بها البيعة لأبي بكر من غير مشاورة أو عذر ولا ضرورة، ثم طلب من المسلمين البيعة، فينبغي قتله (17).
هذا ما كان يعرفه الصحابة وكثير غيرهم عن تلك البيعة إذن....
أما عامة المتأخرين فكأنهم قد عز عليهم أن ينظروا إليها بتلك النظرة، فأضفوا عليها صبغة الشورى ليجعلوا منها - في ثوبها الجديد - الوجه الشرعي الأول في اختيار الخليفة.
ولم يكتف بعضهم بهذا القدر حتى أضفى عليها صبغة الإجماع ابتداء، كما فعل ابن تيمية! (18).
غير أنها دعوى لا يؤيدها شئ من النقل الصحيح، بل حتى غير الصحيح، فليس في شئ من أخبار تلك البيعة ما يشير إلى ذلك الإجماع من قريب أو بعيد.
والذي دعا ابن تيمية إلى هذا هو عقيدته في شرط صحة البيعة، إذا كان يرى - وفقا للمذهب الحنبلي - أنه يشترط لصحة البيعة اجتماع جمهور أهل

(١٦) الملل والنحل ١ / ٣٠، شرح المواقف 8 / 358.
(17) المغني 20 / 340، وعنه الدكتور مصطفى حلمي / نظام الخلافة بين أهل السنة والشيعة:
46.
(18) أنظر: منهاج السنة - لابن تيمية - 3 / 215 و 217 و 218.
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست