المعاملات كما استوعب أحكام العبادات ومآثر الأخلاق.. استوعب نظام حقوق الإنسان، ونظام الأسرة، ونظام المجتمع، وأسس للقضاء نظامه وأرسى قواعده، بل تعدى ذلك إلى حفظ حقوق الحيوان وحفظ البيئة.. كل هذا متفق عليه، لكن السؤال هو:
هل يمكن لهذه النظم أن تحيا بعيدا عن نظام سياسي يحقق للمجتمع الإسلامي وجوده المستقل؟
المسلمون يتفقون على ضرورة وجود النظام السياسي الذي يحفظ للأمة كيانها، متفقون على ضرورة وجود إمام على رأس هذا النظام.
إن أحدا لا يستطيع أن يتصور أمة تحيا بلا نظام، ونظاما يسود بلا قيادة.
الإمام أحمد يعرف الفتنة بأنها: حال الأمة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس (45).
ويوجز الإمام الغزالي حجته بكلمة يقطع بها النزاع، فيقول: إن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، ونظام الدنيا لا يحصل إلا بإمام مطاع، فهاتان مقدمتان، ففي أيهما نزاع؟! (46).
إذن أين كان موقع هاتين المقدمتين في التشريع الإسلامي؟!
يقول ابن خلدون: إن نصب الإمام واجب، وقد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر بعد ذلك، ولم تترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام (47).
فالأمر إذن من إبداع المسلمين وصياغتهم حين وجدوا أنفسهم أمام الأمر