عنهم بقوله: ﴿ويقولون إنه لمجنون﴾ (٧٨) ﴿ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون﴾ (٧٩) ﴿وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون﴾ (٨٠) فلا يطلق المسحور إلا على من سحر فخولط عقله وغلب عليه بسبب السحر، وهذا لا ينكره الخصم، بل قد أفصح عنه الرازي فيما تقدم من كلامه، وصرح به الآلوسي في تفسيره حيث قال: أي سحر فجن (٨١).
ويشهد لذلك ما في التنزيل حكاية عن الكفار قولهم: ﴿بل نحن قوم مسحورون﴾ (٨٢) وفي التنزيل أيضا: ﴿فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا﴾ (83) والله تعالى أعلى وأعلم.
فتبين أن المنفي - بنحو الأشعار - في الآيتين الكريمتين ليس الجنون المحض، فإن ذلك منفي صريحا في آيات أخر، بل ضرب خاص منه - أعني الجنون المسبب عن تأثير السحر الذي ادعوه في حقه صلى الله عليه وآله وسلم -، فهما نافيتان للمسبب بلسان نفي السبب كما لا يخفى على المتأمل الفطن.
وعلى هذا فلا يلزم من دعوى المثبت أن لا يكون السحر قد أثر في عقله صلى الله عليه وآله وسلم باعتقاد المشركين - والعياذ بالله - بل زعمهم التأثير أدعى لنفي دعواهم ورد افترائهم بأنه عليه وآله الصلاة والسلام إنما ترك عبادة آلهتهم لخلل في عقله، وأنه مجنون أزل عقله بالسحر حيث ترك دينهم - كما عن السعد التفتازاني في شرح المقاصد (84) - وإلا فهم لا يزعمون تأثير السحر