متعبدين بوروده في الصحيحين، وقد عرفت ما في ذلك، إلا أن طائفة من متقدميهم ومتأخريهم أنكروا عمل السحر وتأثيره في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يحتفلوا بالأحاديث الواردة في إثباته، وينبغي أن نذكر هنا نبذة من كلامهم في ذلك مما وقفنا عليه على العجالة، فنقول:
قال أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص في كتاب (أحكام القرآن) (113) - بعد الإنكار الشديد على من أثبت للسحر حقيقة -: وقد أجازوا من فعل الساحر ما هو أطم من هذا وأفظع، وذلك أنهم زعموا أن النبي عليه السلام سحر، وأن السحر عمل فيه حتى قال فيه: إنه يتخيل لي أني أقول الشئ وأفعله ولم أقله ولم أفعله، وأن امرأة يهودية سحرته في جف طلعة وهو تحت راعوفة البئر، فاستخرج وزال عن النبي عليه السلام ذلك العارض، وقد قال الله تعالى مكذبا للكفار فيما ادعوه من ذلك للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال جل من قائل: (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا).
قال: ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام، واستجرارا لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام والقدح فيها، وأنه لا فرق بين معجزات الأنبياء وفعل السحرة وأن جميعه من نوع واحد.
قال: والعجب ممن يجمع بين تصديق الأنبياء عليهم السلام وإثبات معجزاتهم وبين التصديق بمثل هذا من فعل السحرة مع قوله تعالى: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) فصدق هؤلاء من كذبه الله وأخبر ببطلان دعواه وانتحاله.
قال: وجائز أن تكون المرأة اليهودية بجهلها فعلت ذلك ظنا منها بأن ذلك يعمل في الأجساد وقصدت به النبي عليه السلام، فأطلع الله نبيه على