(مسحورا) وليس المسحور عندهم إلا من خولط عقله وخيل له أن شيئا يقع وهو لا يقع فيخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه، وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة وما يجب لها: إن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فلزم الاعتقاد به، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين، لأنه ضرب من إنكار السحر وقد جاء القرآن بصحة السحر، فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحق الصريح في نظر المقلد بدعة - نعوذ بالله -، يحتج بالقرآن على ثبوت السحر، ويعرض عن القرآن في نفسه السحر عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعده من افتراء المشركين عليه، ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك! مع أن الذي قصده المشركون ظاهر، لأنهم كانوا يقولون: إن الشيطان يلابسه عليه السلام، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد، فإنه خالط عقله وإدراكه في زعمهم.
قال: والذي يجب اعتقاده أن القرآن مقطوع به، وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته وعدم الاعتقاد بما ينفيه، وقد جاء ينفي السحر عنه عليه السلام حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه، ووبخهم على زعمهم هذا، فإن هو ليس بمسحور قطعا.
قال (118): وأما الحديث - على فرض صحته - فهو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد، وعصمة النبي من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون، على أن الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد إنما يحصل الظن عند من صح عنده، أما من قامت له الأدلة على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة.
وعلى أي حال فلنا، بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث ولا نحكمه