مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٨ - الصفحة ١٠٧
موضع سرها، وأظهر جهلها فيما ارتكبت وظنت، ليكون ذلك من دلائل نبوته، لا أن ذلك ضره وخلط عليه أمره، ولم يقل كل الرواة أنه اختلط عليه أمره، وإنما هذا اللفظ زيد في الحديث ولا أصل له. انتهى.
وحكى الفخر الرازي في (مفاتح الغيب) (115) عن القاضي قال:
هذه الرواية باطلة، وكيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول: (والله يعصمك من الناس) وقال: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)؟! ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة، ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى الضرر لجميع الأنبياء والصالحين، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم، وكل ذلك باطل، ولأن الكفار كانوا يعيرونه بأنه مسحور، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوة ولحصل فيه عليه السلام ذلك العيب، ومعلوم أن ذلك غير جائز. انتهى.
وقال الشيخ الإمام محمد عبده بتفسير سورة الفلق من كتابه (تفسير جزء عم) (116): قد رووا هاهنا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحره لبيد بن الأعصم وأثر سحره فيه حتى كان يخيل له أنه يفعل الشئ وهو لا يفعله، أو يأتي شيئا وهو لا يأتيه، وأن الله أنبأه بذلك وأخرجت مواد السحر من بئر وعوفي صلى الله عليه وآله وسلم مما كان نزل به من ذلك ونزلت هذه السورة.
ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئا وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية (117) بل هو ماس بالعقل آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه: (إن تتبعون إلا رجلا

(115) مفاتح الغيب 32 / 187 - 188.
(116) تفسير جزء عم: 180.
(117) حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك، فإنه منزه عنه على مذهب أهل الحق، أعلى الله كلمتهم وأنار برهانهم.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست