مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ٥٧
وهذا الوضوء، مع أنه عمل يقام به في اليوم أكثر من مرة، فقد اختلفوا في كيفيته، وفي المسح للأرجل أو غسلها، وفي مقدار مسح الرأس، وللأحاديث المختلفة والمختلقة دور كبير في وقوع ذلك.
فإن مجمل ما ذكره المؤلف في التفرقة بين العبادة والمعاملة، وما ذكره من أمثلة الأحكام المعاملية والإشكاليات التي تصورها فيها، يدل على أنه بعيد كل البعد عن مصادر الفقه الإسلامي، وبالأخص الفقه الشيعي، فليس من الفقهاء المسلمين من لم يفرق بين العبادات والمعاملات، فالشهيد الأول من علماء الشيعة الاثني عشرية، فرق بينهما بأن الغرض من العبادة هي الآخرة، بينما الغرض من المعاملة هي الدنيا.
لكن الشرع قد حدد لكل منهما أصولا وقواعد وتراتيب وشروطا، ومعرفة كل ذلك متوقف على البلوغ بالطرق الشرعية المعتمدة المقررة كأدلة في أصول الفقه، ولا فرق بين العبادة والمعاملة في ذلك، إلا أن الأحكام والأمور المتعلقة بالعبادة كلها تعبدية محضة، لكن ما يرتبط بالمعاملات فقد علقها الشارع على مصالح العباد ومفاسدهم، ولكن تدخل في تحديد بعض المصالح والمفاسد بالتعبديات، فما كان حلالا شرعا فلا بد أن يكون للخلق فيه مصلحة، وما كان حراما ففيه مفسدة، وإن لم يدرك الناس ذلك.
أما ما سوى ذلك مما لم يرد من الشرع الكريم فيه حكم بالحرمة، فهو على أصالة الحلية شرعا، فيبقى شرط أن يكون فيه منفعة مقصودة للعقلاء ومما يبذلون بإزائه مالا، وإلا فأكل المال بين الناس بالطرق الملتوية، سواء كانت بعقود مزيفة أو عهود ظالمة، أو بدفع ما لا قيمة له ولا مالية، فهو منهي عنه شرعا، فتداول الثروة وانتقالها لا بد أن يبتني على هذه الأسس الشرعية، وهذا لا يتنافى أن تكون المصالح والمفاسد تتغير، وتتبعها الأحكام فعندما لم يتقدم الطب، لم يمن للدم النجس أية منفعة متصورة، وبما أن تناوله وشربه حرام، فإن الفقهاء حرموا بيعه، وأما في العصر الحديث فبما أن الانتفاع به أصبح شيئا
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست