مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ٢٨
نعم، إن الحديث طيلة القرن الأول قد حورب ومنع من كتابته، ولكن ذلك لا يشكل دليلا شرعيا على صحة ما فعلوا، ما دام الحديث حجة بنص القرآن، وتأكيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المحافظة عليه، ونشره وتبليغه.
مع أن المتشددين ضد تدوين السنة لم كونوا إلا القلة - من الحكام ومؤيديهم -، وأما عامة الصحابة فكانوا مع التدوين، وقائمين به، ومؤكدين عليه من خلال أعمالهم ومؤلفاتهم، وأقوالهم وتصريحاتهم.
وأما دعواه بالنسبة إلى من جمع الحديث في القرن الثالث، فهي فارغة من كل دليل، بل اعتمادهم على الصحف والكتب والكتابات، فهو أمر معروف لا يحتاج إلى تصريح، بعد كل حرصهم وتأكيدهم على التدوين والتأليف.
والمؤلف يعيد بعض هذه الدعاوى في ص 57، ويقول في ص 145:
(وعندما أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة، في بداية القرن الثاني للهجرة، لم يكن في أيدي المسلمين أي كتاب، أو صحيفة، أو وثيقة تحوي شيئا من أحاديث النبي (ص)... أما ما قيل عن بعض الصحف التي كتبت في عهد رسول الله، فهي قد اندرست، ولم يعرف شئ منها، ولذلك اعتمد رجال الحديث في جمعه على الرواية والذاكرة ممن كانوا يحفظونه).
وهل في اعتماد الرواية والذاكرة ممن كانوا يحفظونه ما يقتضي اندراس الكتب السابعة؟! أو في ذلك دلالة على عدم الحاجة إلى الكتابة؟! وهل الكتابة تنافي الحفظ على الذاكرة؟! كيف، وهو قد افترض أن الكتب إنما كتبت كي تحفظ * فإذا حفظت أتلفت - كما زعم -؟!
ومن أين كل هذه الدعاوى الطويلة العريضة، على التاريخ وحوادثه، وعلى الحديث، وعلى المحدثين؟! هل (المنهج النقدي) يسمح بمثل هذه الدعاوى من دون دليل؟! والبحث إنما هو عن أمر يحتاج في معرفته إلى النقل
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست