ما حصل من نزاع وخلاف بين الصحابة حول تأمير أسامة بن زيد على الجيش بالرغم من النص النبوي الصريح على ذلك، حتى خرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو مريض فخطب الناس، وقال: أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة؟! ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأمير أبيه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق بها ".
ومما يصلح تعليقا على ما تقدم ما جاء في كتاب (أعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، تعليق طه عبد الرؤوف سعد، ط. دار الجيل ببيروت). ج 1 ص 51، تحت عنوان (النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله):
" وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم " أي لا تقولوا حتى يقول، ولا تأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه، روى علي بن أيي طلحة عن ابن عباس (رضي الله عنه): (لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة)، وروى العوفي عنه قال: (نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه).
والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أو يفعل ".
وأذكر - هنا - مسألتين لاجتهاد الرأي توضيحا لمفهومه وتمثيلا له، وها:
1 - جاء في (كتاب - فقه السنة، للشيخ سيد سابق، ط دار الكتاب العربي - بيروت) ج 1 ص 389: " وذهبت الأحناف إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بإعزاز الله لدينه، فقد جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وعباس بن مرداس وطلبوا من أبي بكر نصبهم، فكتب لهم بها، وجاءوا إلى عمر وأعطوه الخط فأبي ومزقه وقال:
هذا شئ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطيكموه تأليفا لكم على الإسلام، والآن قد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فبيننا وبينكم السيف " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "، فرجعوا إلى أي بكر فقالوا: الخليفة أنت أم عمر؟! بذلت لنا الخط فمزقه عمر، فقال: هو إن شاء!