- ويقول الشهيد الصدر في تصديره لكتاب (تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة منذ نشأة التشيع حتى مطلع القرن الرابع الهجري، للدكتور عبد الله فياض، ط. مطبعة أسعد ببغداد، سنة 1970 م) ص 21:
" وقد قدر لهذا الاتجاه (يعني اتجاه الرأي) ممثلون جريئون من كبار الصحابة، من قبيل عمر بن الخطاب، الذي ناقش الرسول واجتهد في مواضع عديدة خلافا للنص، إيمانا منه بجواز ذلك ما دام يرى أنه لم يخطئ المصلحة في اجتهاده!
وبهذا الصدد يمكننا أن نلاحظ موقفه من صلح الحديبية، واحتجاجه على هذا الصلح، وموقفه من الأذان وتصرفه فيه بإسقاط (حي على خير العمل).
وموقفه من النبي حين شرع متعة الحج، إلى غير ذلك من مواقفه الاجتهادية.
وقد انعكس كلا الاتجاهين (اتجاه الرأي واتجاه النص) في مجلس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في آخر يوم من أيام حياته، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس: قال: لما حضر رسول الله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول:
قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم: قوموا (1).
وهذه الواقعة وحدها كافية للتدليل على عمق الاتجاهين ومدى التناقض والصراع بينهما. ويمكن أن نضيف إليها لتصوير عمق الاتجاه الاجتهادي ورسوخه