مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢٧ - الصفحة ١٦
وأمير المؤمنين كان مقيدا بقيود الشريعة، مدفوعا إلى أتباعها، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقا، فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن لم يلتزم بذلك، ولسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطاب ولا ناسبين إليه ما هو منزه عنه، ولكنه كان مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان، والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء، وبالاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه، ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدب بالدرة والسوط من يغلب على ظنه أنه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التأديب، كل ذلك بقوة اجتهاده وما يؤديه إليه نظره.
ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يرى ذلك، وكان يقف مع النصوص والظواهر، ولا يتعداها إلى الاجتهاد والأقيسة، ويطبق أمور الدنيا على الدين، ويسوق الكل مساقا واحدا، ولا يضع ولا يرفع إلا بالكتاب والنص.
فاختلفت طريقتاهما في الخلافة والسياسة ".
وفي ص 578 من المصدر نفسه، نقل ابن أبي الحديد عن الجاحظ فقال:
" قال أبو عثمان: وربما رأيت بعض من يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز وهو من العامة ويظن أنه من الخاصة، يزعم أن معاوية كان أبعد غورا وأصح فكرا وأجود روية وأبعد غاية وأدق مسلكا، وليس الأمر كذلك، وسأومئ إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه، والمكان الذي دخل عليه الخطأ من قبله:
كان عين عليه السلام لا يستعمل في حربه إلا ما وافق الكتاب والسنة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة كما يستعمل الكتاب والسنة "!
وبعد هذا نستطيع أن نطلق على أصحاب اتجاه النص (مدرسة أهل البيت) ورأينا أن رأسها كان عليا عليه السلام.
وأن نطلق على أصحاب اتجاه الرأي (مدرسة الصحابة) ورأينا أن رأسها كان عمر.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست