مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢١ - الصفحة ٣٩٥
وإما القول: بأن الله تعالى أوجده حيا قادرا، ثم آتاه عقلا وكلفه بعد هذا، فأطاع وفعل ما أمر به مما يستحق جزيل الأجر على فعله، فإسلامه وإيمانه من أفعاله الواقعة بحسب قصده وإيثاره، وإن أداك في وجوده قبل فعله إلى ما وصفنا.
فحيره هذا الكلام، ولم يجد فيه حيلة من جواب!
ومما يجب أن يكلم به في هذه المسألة أهل الخلاف أن يقال لهم: لم زعمتم أنه لم يسلم إلا من كان كافرا؟!
فإن قالوا: لأن من صح منه وقوع الإسلام فهو قبله عار منه، وإذا عري منه كان على ضده، وضده الكفر.
قيل لهم: لم زعمتم أنه إذا عري منه كان على ضده؟! وما أنكرتم من أن يخلو منهما فلا يكون على أحدهما؟
فإن قالوا: إن ترك الدخول في الإسلام هو ضده، لأنه لا يصح اجتماع الترك والدخول، فمتى كان تاركا كان كافرا لأن معه الضد.
قيل لهم: إنما يلزم ما ذكرتم متى وجدت شريعة الإسلام، ولزم العمل بها، وعلم العبد وجوبها عليه بعد وجودها، فأما إذا لم يكن نزل بها الوحي، ولا لزم المكلف منها أمر ولا نهي، فإلزامكم التكفير جهل وغي.
فإن قالوا: قد سمعناكم تقولون: إن الوحي لما نزل على النبي صلى الله عليه وآله بتبليغ الإسلام دعا إليه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجبه عند الدعاء، وقال له:
" أجلني الليلة " (3) وتعدون هذا له فضيلة، وفيه أنه قد ترك الدخول في الإسلام بعد وجوده!!
قلنا: هو كذلك، لكنه قبل علمه بوجوبه، وهذه المدة التي سأل فيها الأنظار هي زمان مهلة النظر التي أباحها الله تعالى للمستدل، ولو مات فيها العبد قبل أن يعتقد الحق لم يكن على غلط، وهكذا رأيناكم تفسرون قول إبراهيم عليه السلام لما

(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»
الفهرست