مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٧
وسبيبها (116) لناصيتها، واتصافها بما هو طراز الأمر كله من مجيئها، مع كونها مشحونة بالنكت الجلائل، مكتنزة بالمحاسن غير القلائل، خالية من تصنع من يتناول التنكيت، وتعمل من يتعاطى بمحاجته التبكيت (117)، وكأنها كلام من يرمي به على عواهنه، ولا يتعمد إلى إبلاغ نكته ومحاسنه، ولا يلقاك ذلك إلا في كلام رب العالمين، ومدبر الكلام والمتكلمين، فسبحان من لو أنزل هذه الواحدة وحدها، ولم ينزل ما قبلها وما بعدها، لكفى بها آية تغمر الأذهان، ومعجزة توجب الاذعان، فكيف بما أنزل من السبع الطوال، وما وراءها إلى المفصل (118)، والمفصل، يا لها من معجزة كم معجزات في طيها، عند كل ثلاث آيات تقر الألسن بعيها، لو أراد الثقلان تسلية المغيظ المحنق، لأخذت من أفاصحهم بالمخنق، إن هموا بإنشاء سورة توازيها، وثلاث آيات تدانيها. هيهات قبل ذلك يشيب الغراب، ويسيب الماء كالسراب.
ودع عنك حديث الصرفة (119)، فما الصرفة إلا صفرة (120) من النظام، وفهة (121) منه في الإسلام، ولقد ردت على النظام صفرته، كما ردت عليه طفرته، ولو صح ما قاله لوجب في حكمة الله البالغة، وحجته الدامغة أن ينزله على أرك نمط وأنزله، وأفسل (122) أسلوب وأسفله، وأعراه من حلل البلاغة وحليها،

(١١٦) البيب: شعر الذنب " لسان العرب - سبب - ١: ٤٥٩ ".
(١١٧) بكته بالحجة أي غلبه " لسان العرب - بكت - ٢: ١١ ".
(١١٨) المفصل من القرآن السبع الأخير، وذلك للفصل بين القصص بالسور القصار، والفواصل آواخر الآي " مفردات ألفاظ القرآن - فصل - ٣٨١ ".
(١١٩) الصرفة: هي مما ذهب إليه النظام المعتزلي في إعجاز القرآن، وهو صرف الدواعي عن المعارضة، ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا، حتى لو خلاهم سبحانه لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما. أنظر " الملل والنحل ١: ٥٨ ".
(١٢٠) يقال: إنه لفي صفرة، للذي يعتريه الجنون، إذا كان في أيام يزول فيها عقله، لأنهم كانوا يمسحونه بالزعفران. " الصحاح - صفر - ٢: ٧١٤ ".
(١٢١) الفهة: السقطة والجهلة. يقال: فه الرجل يفه فهاهة وفهة، فهوفة وفهيه: إذا جاءت منه سقطة من العي وغيره " النهاية - فهه - 3: 482 ".
(122) الفسل: الردئ من كل شئ. " مجمع البحرين - فسل - 5: 440 ".
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست