مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦ - الصفحة ٩٣
عن التصديق والحفظ يكون على هذا البيان، فعلى هذا لا يرد ما أورد عليه صاحب الأسفار، بل لا يبعد أن يكون - ما أفاده قدس سره في تحقيقه الرشيق في حل الإشكال - راجعا إلى ما قاله الدواني أيضا. فدونك ما أورد عليه في حل الإشكال أولا:
قال - قدس سره - بعد نقل كلام الدواني المذكور آنفا ما هذا لفظه: " وفيه ما لا يخفى من الخلل، والقصور.
أما أولا، فلأن ما في العقل الفعال هو أشد تحصلا، وأقوى ثبوتا مما في أذهاننا، فاقتران الموضوع للمحمول إذا حصل في أذهاننا، فربما كان الاقتران بينهما اقترانا ضعيفا، وارتباط أحدهما بالآخر ارتباطا متزلزلا، وذلك لضعف سببه، وكاسبه، ودليله، حيث لم يكن الاقتران بينهما من برهان ذي وسط لمي، أو من حدس، أو حس، أو تجربة، أو غير ذلك، فيكون الحكم منا باقترانهما غير قاطع، فهو شك أو وهم، وربما كان الواقع بخلافه، فيكون حكما كاذبا.
وأما إذا اقترن الموضوع بالمحمول في العقل الفعال، فيكون اقتران أحدهما بالآخر اقترانا مؤكدا ضروريا، حاصلا عن أسباب وجودهما على هذا الوجه، كاقتران أحدهما بالآخر في الظرف الخارج، وليس مصداق الحكم إلا عبارة عن اقتران الموضوع بالمحمول، أو اتحادهما في نحو من الوجود في الواقع.
وأما ثانيا، فلأن التصور والتصديق - كما تقرر وتبين في مقامه - إنما هو نوعان من العلم الانطباعي، الحادث في الفطرة الثانية، فأما علوم المبادئ العالية، وعلم الحق الأول جل ذكره، فليس شئ منهما تصورا، ولا تصديقا، فإن علوم المبادئ كلها عبارة عن حضور ذواتها العاقلة والمعقولة بأنفسها، وحضور لوازمها الوجودية بنفس حضور ذواتها الثابتة لذواتها، من غير جعل وتأثير مستأنف وتحصيل ثان، حسبما قررناه كعلمنا بذاتنا، ولوازم ذاتنا غير المنسلخة عنا، بحسب وجودنا العيني، وهويتنا الإدراكية، التي هي عين الحياة والشعور ".
أقول: قوله: " حاصلا عن أسباب وجودهما على هذا الوجه " يعني على هذا الوجه المؤكد.
وقوله: " من العلم الانطباعي " يعني به الانفعالي الارتسامي، ثم إن الدواني لا
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست