مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦ - الصفحة ٧٦
فكيف يحكم بصدق إنسانية زيد المعدوم في الخارج، وكذب حماريته، فإن كانت الأولى صادقة فلتكن الثانية أيضا كذلك، وإن كانت الثانية كاذبة فلتكن الأولى أيضا كذلك؟
والجواب عنه: إن قولهم: الصادق هو الذي له مطابق في الخارج دون الكاذب، لا يعنون بذلك الخارج، الموجود العيني الخارجي، المقابل للذهني، أي الخارج عن وعاء الذهن، بل مرادهم من ذلك الخارج: هو الخارج عن اعتبار العقل، أي الخارج عن الفرض العقلي الذي هو الوجود الفرضي المذكور.
فكل قضية لها مطابق بأحد قسمي الوجود الحقيقي، فلها خارج، فهي صادقة سواء كان ذلك الخارج عن الفرض العقلي المختلق خارج الذهن أو كان موجودا ذهنيا. فالخارج على هذا المعنى أعم من الخارج المقابل للوجود الذهني، فلا يلزم من عدم مطابق للخبر في الخارج بالمعنى الأخص أن لا يكون له مطابق فيه بالمعنى الأعم.
فنقول إيضاحا: إن كل واحد من الصدق والكذب من أوصاف القضايا ومحمول عليها، فالقضية إن كانت لفظية أو كتبية، ولها مطابق في وعاء الخارج، المقابل للذهني فصادقة وإلا فكاذبة، وإن كانت ذهنية فإن كانت لها مطابق في وعاء الذهن من المعاني الوجودية الحقيقية الذهنية التي هي خارج عن الفرض العقلي المختلق، فهي صادقة، وإلا فكاذبة.
فإن قلت: إن الضرورة قاضية بأن الموجود الحقيقي إما خارجي وإما ذهني.
والخارجي شامل لجميع صور الحقائق الوجودية: من الواجب والممكن، والذهني أيضا شامل لجميع المعاني والصور الذهنية، وليس وراء الوجودين أي الخارجي والذهني أمر آخر يسمى بنفس الأمر حتى يحتاج إثباته إلى برهان.
قلنا: قد أجاب عنه بعضهم في إثباته بما حاصله: إنه قد ثبت بالقوانين العقلية وجود العقل المفارق، المشتمل على جميع المعقولات، المسمى بالعقل الكل، واللوح المحفوظ، أما كونه كلا، فلذلك الاشتمال، وأما كونه لوحا، فلأن كل صغير وكبير فيه مستطر، وأما كونه محفوظا، فلكونه، محفوظا بالاسم الحافظ، الحفيظ عن التغير، والزوال، والتبدل، والبوار، كما هو شأن جميع المجردات النورية، وهذا العقل هو نفس الأمر للموجودات الحقيقية العينية والذهنية مطلقا.
(٧٦)
مفاتيح البحث: الصدق (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست