أمواتا، وإلى اليوم تقوم شواهد الظلم الواقع عليهم، فافترق حال محالهم عن قبر الرسول الأكرم (ص)، وعن أزقة المدينة المنورة وساكنيها، فهنا يكفي " الباب الماء والنطف العذاب "، وهناك لا يكفي هذا بل يجب أن يكون منسجما مع حال مراقدهم المقدسة من وفير السقي، وعزيز المطر.
وينتقل الشريف من البقيع أقرب مشهد * من مشاهد أجداده الطاهرين فما أن ينتهي ركب الحجيج إلى أرض العراق حتى يتقرى المرقد الطاهر لأمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف، أو الغري:
وأعلام الغري وما استباحت * معالمها من الحسب اللباب وأي حسب لباب إن لم يكن حسب علي بن أبي طالب (ع)؟ فتشمله دعوة السقي بوابل نمير المطر.
ثم يرحل إلى كربلاء وهي المنزلة الثانية بعد النجف في طريق الحج العائد إلى العراق:
وقبرا بالطفوف يضم شلوا * قضى ظما إلى برد الشراب أنظر إلى هذا الحس المرهف، وكيف قابل بين الدعاء بالسقيا و " ظمأ " أبي عبد الله عليه السلام في موقعة كربلاء، فأي مطر، وأي غيث، وأي وابل، وأي طل يكون في وسعه إرواء تلك المراقد المشرفة وقد " قضى " أصحابها ظما، والماء على مرمى حجر منهم؟
ويستمر الشريف في سفرته التي تطوي الأرض طيا بين سامراء - حيث الهادي والعسكري (ع) وموضع الغيبة الشريف -، وبغداد - حيث الكاظم الجواد (ع) -، وطوس - حيث علي بن موسى الرضا (ع) -، فليس المطر النمير تلك المشاهد المشرفة:
وسامرا وبغدادا وطوسا * هطول الودق منخرق العباب هذي مراقدهم - عليهم السلام - وها هو الشريف الرضي يقف عليها بلوعة ويقول:
قبور تنطف العبرات فيها * كما نطف الصبير على الروابي إن دموع الرضي تمنعه من وصفها، لكن ذكاءه وعظيم إحساسه بانتمائه إلى الراقدين فيها، يدفعه إلى أن يشبه الدموع التي يجريها محبو الأئمة عليها بالسحاب الذي يسقي الروابي ويفيض عليها.