ويرتبط الظمأ عند الشاعر بالآلام التي عاناها أهل البيت (ع) حيث انتقلوا في دنياهم من مصاب إلى مصاب، فكان وفرة المصائب التي جابهتهم في حياتهم قابلها هذا الظمأ الذي يجلل أضرحتهم وتربتهم الطاهرة:
أما شرق التراب بساكنيه * فيلفظهم إلى النعم الرغاب فكم غدت الضغائن وهي سكرى * تدير عليهم كأس المصاب وبهذا البيت ندرك السبب الذي حدا الشاعر أن يستسقي المدينة لباب الماء، وأن يستسقي قبور الأئمة (ع) المطر الغزير، لأن هذه الغزارة من الخير " والماء والسقيا رمزان له " قد ناسبت كؤوس المصائب التي نالتهم في حياتهم، ولكن الشاعر يدرك أن الماء والسقيا غير كافيين أمام عظمة أهل البيت (ع)، فينتقل منها إلى تقرير حقيقة تناسب منزلة أهل بيت النبوة عليهم السلام:
صلاد الله تخفق كل يوم * على تلك المعالم والقباب ولا نجد فرقا بين سحاب تنصل شآبيبه، وسراب يستحيل قطع سحاب وخفقان الصلوات، فكأن الصلاة عليهم طيور خافقة بأجنحتها، والصلة وثيقة بين الماء والطيور فلا تحوم الطيور إلا حول موارد الماء المشرعة الآمنة، فكأن الشريف بهذا البيت ينقلنا إلى جو استجابة دعائه بالسقيا، بل إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى أن هذه القبور الطاهرة هي مشارع الماء الآمنة التي تخفق حولها الطيور، وليست تلك الطيور طيورا حقيقية بل هي صلاة الله سبحانه وتعالى، وأين تخفق الصلاة إلا على أهلها وموطنها ومستقرها؟
وبعد أن يصل الشاعر إلى هذه الحقيقة يتحول إلى ذاته يستنبط منها حبها، وينقع غليلها، ويروى أوامها بزيارته لهم:
وإني لا أزال أكر عزمي * وإن قلت مساعدة الصحاب وأخترق الرياح إلى نسيم * تطلع من تراب أبي تراب بودي أن تطاوعني الليالي * وينشب في المنى ظفري ونابي فأرمي العيس نحوكم سهاما * تغلغل بين أحشاء الروابي لعلي أن أبل بكم غليلا * تغلغل بين قلبي والحجاب فما لقيكم إلا دليل * على كنز الغنيمة والاياب ثم يلتفت إلى الإمامين اللذين كان خروجه لزيارتهما سببا لنشاطه في كتابه