الشريف لا المثقف الصعلوك - وكانت أحاسيسه في دنياه لا تقدر بالأوهام، وإنما كان ينصب لها دقيق الموازين، ويسعى في تحقيقها سعي الفحول.
كان الشريف في حرب شعواء بين القلب والعقل، وكان يطمح في أن يجمع لنفسه جميع أقطار المجد، فيكون من أئمة الفقهاء، وأقطاب الشعراء، وأعيان الخلفاء، وقد ضاعت أمانيه ضياع الزهر في الوادي الجديب، ولم يبق منها غير الإمامة في الشعر والبيان " (94).
يقول الشريف، وفي قلبه لوعة، وعلى شفتيه حرقة:
توقعي أن يقال قد ظعنا * ما أنت لي منزلا ولا وطنا يا دار قل الصديق فيك فما * أحس ودا، ولا أرى سكنا كيف يهاب الحمام منصلت * مذ خاف غدر الزمان ما أمنا؟
لم يلبث الثوب من توقعه * للأمر إلا وظنه كفنا أعطشه الدهر من مطالبه * فراح يستمطر القنا اللدنا ثم يكبح الشريف جماع قريحته من الاسترسال في نفذ الآهات المحزنة التي ملأت صدره لينفجر عن نفسية عملاقة تربط الحاضر المؤلم بالماضي الشاخص، فيقول:
لي مهجة لا أرى لها عوضا * - غير بلوغ العلا - ولا ثمنا ما ضرنا أننا بلا جدة * والبيت والركن، والمقام لنا سوف ترى أن نيل آخرنا * من العلا فوق نيل أولنا وأن ما بز من مقادمنا * يخلفه الله في عقائلنا (95) لأبلغ العز، أو يقال فتى * جنت عليه يد الردى وجنى (96) إن هذه الحرقة التي لفعت أبياته تعبر عن أحاسيس كانت تطغى في نفس الشاعر، حتى لكأنها ثورة يأس تنخر في أضلاعه، لكنها تشب دفعة زخما حماسيا يقارع الحنين المتجهم إلى تذكر بالواقع المرتبط ببيته العلوي.
وإن هذا الشاعر الطموح حين نحاول أن نتلمس مدارج طموحه، وهل حقق من