المديح والرثاء، نصيب المدح منها تسعون قصيدة، والرثاء ثمانون قصيدة (130)، وأغلبها قصائد طوال تزيد على خمسين بيت، الكثير منها تبدو عليها ظاهرة المدح والثناء، وقد يكون للإغراق مجال واسع فيها، بحيث يصل إلى حد الإشكال، ومهما كانت البواعث والدوافع، فإنها لا تنسجم مع نفسية الرضي الطموحة، التواقة إلى تسلق العلا، خاصة وأنه ليس من أولئك الأشخاص الذين اتخذوا من شعرهم مهنة للارتزاق وأصبحوا بمرور الزمن محترفين رغم ظروف قاسية كانت تلم بشاعرنا تضيق عليه خناق العيش الهنئ وقد نشير إلى إبائه ونفسيته الكبيرة في رفض الصلات والهبات والعطايا التي كانت تصل إليه من الخلفاء، والملوك، والأمراء، والوزراء، وكل أصحاب الجاه والثراء والسلطة.
" والمديح وهو مقياس لرجولة الشاعر، وعلو نفسه، وتماسك قواه، وفيه يظهر كرم العنصر، وطيب المحتد، وأصالة الرأي، ونضج العقل، وسداد الفهم، ولباقة الأداء، وحصافة الفكر، لأن كثيرا من الشعراء في هذا اللون من الشعر يجعلون أنفسهم في منزلة العبيد الأرقاء من ممدوحيهم لينالوا عندهم الحظوة ويحصلوا لديهم على الرغبة، ويصلوا إلى أهدافهم التي يرمون إليها من المال أو الجاه متناسين أن آدميتهم تحتم عليهم أن يكونوا أرفع من هذا الوضع الذي انحدروا إليه، أو المكانة التي جعلوا أنفسهم فيها " (131).
والشريف الرضي أخذ هذا الأسلوب، وسار فيه، ونهج عليه في أغلب قصائده، وحري بنا أن نعرض نماذج منه في حدود ما يسمح به المقام، وعلى ضوئه ندرس الظاهرة، لما نرى فيها من تناقض صريح لظاهرة الطموح التي عشقها الشاعر، وذاب فيها هياما.
1 - ألوان من مديحه:
الرضي حين نمر بشعره نراه قد خصص جانبا من مديحه بشخصين من خلفاء بني العباس، الطائع لله، والقادر بالله، وقد خص الأول بثلاث وعشرين قصيدة، والثاني بقصيدتين وأبيات، وفي جميعها مديح وثناء يبدو - لأول وهلة - غريبا على الرضي، الذي ينازع العباسيين الخلافة، فهو - مثلا - يخاطب الطائع مهنئا بعيد الفطر عام 377 ه: