وحين نتصفح شعر الرضي نجده حافلا بالأغراض الشعرية التي تنسجم مع عصره الذي حفل بالعلم، وتوج بالأدب، وتغنى بالشعر، ذلك العصر الذي حكمه آل بويه، وتربعوا دست سلطانه، ورغم الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي رافقت عصرهم، " فقد عنوا بالأدب، ورعوه أيما رعاية، ووصل بهم الاهتمام برجاله إلى أن يستوزروا كبار الكتاب، حتى صار شعار الاختيار للوزارة: القدرة الإدارية، والقدرة البلاغية " (91).
ويعضد هذا الرأي ما ذكر عن أبي بكر الخوارزمي أنه " كان ينادم عضد الدولة بعض الأدباء الظرفاء ويحاضر بالأوصاف والتشبيهات، ولا يحضر شئ من الطعام والشراب والاتهما وغيرها إلا وأنشد فيه لنفسه أو لغيره شعرا حسنا " (92).
وكان هذا العامل إلى جانب عامل آخر هو الانفتاح الفكري الذي ازدهر في القرن الرابع الهجري - نتيجة توسع رقعة العهد العباسي، وامتزاج الحضارات غير الإسلامية بالمسلمين العرب، وأدى إلى ظهور عصر الابتكارات، والخلق في مجالات العلم عند العرب (93)، بحيث أصبح ذلك العصر لامعا بالثقافة والمعرفة - ترك بصمات واضحة من ملامح الشريف الرضي في المجتمع الذي عاشه في بغداد. وفي ذلك العهد بالذات برز فيه بروزا ميزه عن غيره من شعراء العصر وأفاضله.
وحياة بغداد بكل جوانبها وأجوائها الحلوة والمرة عاشها الرضي كشاعر نبض قلبه بالواقع المهموم، ورسم في ذهنه صور الأمل المشرق الذي يخامر كل إنسان طموح يحاول أن يتسلق المجد، فتقف دونه عواثر الزمن، وتملأ عينيه صهوات النزال، وحين يحاول ركوب الشوط تجهد فيه القوادم، حتى تمزق الدنيا التي فرش لها الدرب وردا، فتاهت نشوة النظارة عليها دون رأفة.
يقولون عنه: " الشريف الرضي كان يرى الدنيا يعين الرجل المثقف - المثقف