الطالبيين، من مضى منهم، ومن غبر، على كثرة شعرائهم المفلقين... ولو قلت أنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وسيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره، العالي القدح، الممتنع من القدح، الذي يجمع إلى السلاسة متانة، وإلى السهولة رصانة، ويشتمل على معان يقرب جناها، ويبعد مداها " (87).
وأكد أبو الحسن الباخرزي (88) هذه الخاصية فقال عنها:
" وله شعر إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه، وعقد بالنجم نواصيه، وإذا نسب انتسبت الرقة إلى نسيبه، وفاز بالقدح المعلى من نصيبه. حتى لو أنشد الراوي غزلياته بين يدي العزهاة (89) لقال له من العزهات، وإذا وصف فكلامه في الأوصاف أحسن من الوصائف والوصاف، وإن مدح تحيرت فيه الأوهام بين مادح وممدوح.
له بين المتراهنين في الحلبتين سبق سابح مروح، وإن نثر حمدت منه الأثر، ورأيت هنالك خرزات من العقد تنفض، وقطرات من المزن ترفض. ولعمري أن بغداد قد أنجبت به فبوأته ظلالها، وأرضعته زلالها، وأنشقته شمالها، وورد شعره دجلتها، فشرب منها حتى شرق، وانغمس فيها حتى كاد أن يقال غرق، وكلما أنشدت محاسن كلامه تنزهت بغداد في نضرة نعيمها وانشقت من أنفاس الهجير بمراوح نسيمها " (90).
وعلى هذا المنوال سار كثير ممن ترجموه فساقوا الفقرات تلو الفقرات، وصاغوا الكلمات الرائعة التي تعبر عن مكانة الشريف الرضي في ميدان الشعر، وأنه أحد لوامعه، بل وجه طالع من وجوهه البارزة.