مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤ - الصفحة ٣٣
وقال آخر: معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا (26).
3 - قولهم نزلت الآية في كذا.
إن المراجع لكتب التفاسير، وخاصة الكتب الجامعة لأسباب النزول، يجد أنهم إذا أرادوا ذكر سبب نزول آية قالوا: نزلت في كذا، والظاهر أن استعمال الصحابة والتابعين لهذا التعبير، وكون المفهوم من هذا التعبير ما يفهم من قولهم " السبب في نزول الآية كذا " دفعهم على المحافظة على هذه العبارة عند بيان أسباب النزول.
ويؤيده أن الحرف " في " يستعمل فيما يناسب السببية والربط، كما في قولك:
لامه في أمر كذا، أي من أجله وعلى فعله (27).
لكن قال الزركشي: عادة الصحابة والتابعين إن أحدهم إذا قال: " نزلت هذه الآية في كذا " فإنه يريد أنها تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع (28).
أقول: لم تثبت هذه العادة، بل المستفاد من عمل العلماء القرآن هو الالتزام بالعكس، ولا بد أنهم لم يفهموا الخلاف من الصحابة أو التابعين، بل الأغلب في موارد قول الصحابة والتابعين: " نزلت في كذا " إنما هو القضايا الواقعة والوقائع الحادثة مما لا معنى له إلا الرواية والنقل، ولا مجال لحمله على الاستدلال.
ولو تنزلنا، فإن احتمال كون قولهم: " نزلت في كذا " للاستدلال مساو لاحتمال كونه لبيان سبب النزول، ولا موجب لكونه أظهر في الاستدلال.
ويقرب ما ذكرنا أن ابن تيمية احتمل في الكلام المذكور كلا الأمرين:
الاستدلال وسبب النزول، فقال: قولهم: " نزلت في كذا... " يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب، كما نقول عني بهذه الآية كذا (29).
4 - والتزم الفخر الرازي طريقا آخر لمعرفة سبب النزول ذكره في تفسيره آية

(26) الاتقان (ج 1 ص 115).
(27) لاحظ: مغني اللبيب لابن هشام (ص 224).
(28) الاتقان (ج 1 ص 116).
(29) المصدر السابق (ج 1 ص 5 - 116).
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست