مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤ - الصفحة ٢٩
القول باشتراك غيره معه.
مثال ذلك، قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر... " سورة المجادلة (58) الآية (12).
فإن المكلف في الآية عام، وهم كل المؤمنين، والحكم فيها شرعي وهو وجوب التصدق عند مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن هذا لا يمنع من اختصاص الآية بشخص واحد، فعند المراجعة إلى أسباب النزول نجد أن الإمام عليا عليه السلام كان هو العامل الوحيد بهذه الآية، حيث كان الوحيد الذي تصدق وناجى الرسول صلى الله عليه وآله، ونسخت الآية قبل أن يعمل بها غيره من المسلمين.
فهل يصح القول بأن الآية عامة، وما معنى الاشتراك في الحكم لو كانت الآية منسوخة؟ وهل في الالتزام باختصاص الآية مخالفة للكتاب والسنة؟
وإذا سأل سائل عن الحكمة في تعميم الموضوع في الآية، مع أن الفرد العامل منحصر؟
فمن الجائز أن تكون الحكمة في ذلك بيان أن بلوغ الإمام عليه السلام إلى هذه المقامات الشريفة كان بمحض اختياره وإرادته، من دوه أن يكون هناك جبر يستدعيه أو أمر خاص به، وإنما كان الأمر والحكم عاما، لكنه أقدم على الإطاعة رغبة فيها وحبا للرسول ومناجاته، وأحجم غيره عنها، مع أن المجال كان مفسوحا للجميع قبل أن تنسخ الآية، فبالرغم من ذلك لم يعمل بها غيره.
ولا يمكن أن يفسر إقدامه وتقاعسهم إلا على أساس فضيلته عليهم في العلم والعمل، وتأخرهم عنه في الرتبة والكمال.
وبمثل هذه الحكمة يمكننا أن نوجه افتخار الإمام عليه السلام بكونه العامل الوحيد بهذه الآية.
فقد روى الحبري في تفسيره (22) بسنده، قال: قال علي: آية من القرآن لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، أنزلت آية النجوى [الآية (12 من سورة المجادلة (58)] فكان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت إذا أردت أن أناجي النبي صلى الله عليه تصدقت بدرهم حتى فنيت ثم نسختها الآية التي بعدها: " فإن لم

(22) تفسير الحبري - بتحقيقنا - الحديث (66) (ص 47) من الطبعة الأولى.
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست