مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤ - الصفحة ٢٧
على أسباب النزول (19). وثالثا: إن هذا البحث الأصولي إنما يجري في آيات الأحكام كما يظهر من عنوانهم له، دون غيرها، وسيأتي مزيد توضيح لهذا الجواب فيما يلي.
وقد أثار ابن تيمية شبهة حول أهمية أسباب النزول تعتمد على أساس هذا الاعتراض، ملخصها: أن نزول الآية في حق شخص - مثلا - لا يدل على اختصاص ذلك الشخص بالحكم المذكور في الآية، يقول: قد يجئ - كثيرا في هذا الباب - قولهم:
" هذه الآية نزلت في كذا " لا سيما إذا كان المذكور شخصا كقولهم: إن آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن القيس، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله.
قال: فالذين قالوا ذلك، لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس - وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب، هل يختص بسببه؟ - فلم يقل أحد: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال إنها تختص بنوع ذلك الشخص، فتعم ما يشبهه.
والآية التي لها سبب معين، إن كانت أمرا أو نهيا، فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته، وإن كانت خبرا بمدح أو ذم، فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته (20).
والجواب عن هذه الشبهة:
أولا: إن ما ذكره من " لزوم تعميم الحكم، وعدم قابلية الآية للتخصيص بشخص معين " إنما يبتني على فرضين:
1 - أن يكون الحكم الوارد في الآية شرعيا فقهيا.
2 - أن يكون لفظ الموضوع فيها عاما.
وهذان الأمران متوفران في الأمثلة التي أوردها، كما هو واضح.
أما إذا كانت الآية تدل على حكم غير الأحكام الشرعية التكليفية أو الوضعية، أو كان الموضوع فيها بلفظ خاص لا عموم فيه، فإن ما ذكره من لزوم التعميم وامتناع

(19) المصدر نفسه (ج 1 ص 8 - 109).
(20) المصدر نفسه (ج 1 ص 112).
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست