يخصص عموم الأحكام، وقد عنون علماء أصول الفقه لهذا البحث بعنوان: " إن المورد لا يخصص الحكم ".
قال الأصولي المقدسي: إذا ورد لفظ العموم على سبب خاص لم يسقط عمومه، وكيف ينكر هذا، وأكثر أحكام الشرع نزلت على أسباب كنزول آية الظهار في أوس ابن الصامت، وآية اللعان في هلال بن أمية، وهكذا (15).
والجواب عنه أولا: إن البحث الأصولي المذكور لا يمس المهم من بحث أسباب النزول، لأن البحث الأصولي يتوجه إلى شمول الأحكام المطروحة في الآيات لغير مواردها، وعدم شمولها، فالبحث يعود إلى أن الآية هل تدل على الحكم في غير موردها أيضا كما تشمل موردها، أو لا تشمل إلا موردها دون غيره؟
ففي صورة الشمول لغير موردها أيضا، يمكن الاستدلال بظاهرها الدال بالعموم على الحكم في غير المورد.
وأما بالنسبة إلى نفس المورد فلا بحث في شمول الآية له، فإن شمول الآية له مقطوع به ومجزوم بإرادته بدلالة نص الآية، وهي قطعية لا ظنية، حيث أن المورد لا يكون خارجا عن الحكم قطعا، لأن إخراجه يستلزم تخصيص المورد، وهو من أقبح أشكال التخصيص وفاسد بإجماع الأصوليين.
قال المقدسي في ذيل كلامه السابق، في حديث له عن الآيات النازلة للأحكام في الموارد الخاصة، ما نصه: فاللفظ يتناولها [أي الموارد الخاصة] يقينا، و يتناول غيرها ظنا، إذ لا يسأل عن شئ فيعدل عن بيانه إلى غيره... فنقل الراوي للسبب مفيد ليبين به تناول اللفظ له يقينا، فيمتنع من تخصيصه (16).
وقال السيوطي: إذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته، فإن دخول صورة السبب قطعي وإخراجها بالاجتهاد ممنوع كما حكى الإجماع عليه القاضي أبو بكر في " التقريب " ولا التفات إلى من شذ فجوز ذلك (17).