في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٨
والعادات التي جرى عليها الآباء والأجداد، أو ابتكرها الجيل الحاضر تشحيذا لعزائم الشعب في سبيل حفظ استقلالهم، والخروج عن سيطرة القوى الكبرى عليهم، مع كون العمل غير محرم في ذاته، بل هو اجتماع وإنشاد قصائد وإلقاء خطب وشرب شاي ولقاء إخوان إلى غير ذلك.
ونمثل لهذا بالشعب الجزائري فإنه مرت عليه أعوام عديدة رزحوا فيها تحت السيطرة الفرنسية الغاشمة، تنهب ثرواتهم، وتدمر ثقافتهم الإسلامية، ثم منحهم الله تعالى الاستقلال والحرية بفضل عزائمهم، وجهادهم وتضحيتهم، وعادت إليهم عزتهم وهويتهم، فلو قرر هذا الشعب أن يحتفل بيوم تحرره هذا كل عام من دون اقتراف المنكرات واقتراف المعاصي ما كان لأحد أن يلومهم على ذلك ويذمهم، بل يمدحهم العقلاء بفطرتهم السليمة.
كما لا يدور في خلد أحد أن هذا الشعب ارتكب بهذا الصنيع بدعة في الدين، لأنه لم يقم بهذا لكونه من الدين والشريعة، وأن النبي أمر بذلك، بل قام بما قام من باب حفظ المصالح وتشحيذ عزائم الناس الذي هو في حد نفسه حلال بلا ريب.
فمن حكم بحرمة هذه التقاليد والآداب والرسوم سواء أكان لها جذور في الأعوام السابقة أو كانت من محدثات العصر فقد ارتكب خطأ في تحديد البدعة، ولم يميزها عن غيرها من المراسيم والآداب.
فهذا ابن تيمية يصف الكثير من الأعمال المباحة التي يقوم بها
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»