فالمساجد الجامعة متساوية في الفضيلة في عامة البلاد فلا وجه لشد الرحال إلى مسجد لإقامة الصلاة فيها، ولكنه إذا شد الرحال بقصد الصلاة والعبادة لربه لا يعد عمله محرما بل غاية الأمر أنه لا يترتب عليه ثواب.
ثالثا: إن الحديث نص أو ظاهر في الحصر، مع أنه ورد في الصحيح أن النبي كان يأتي مسجد " قبا " راكبا وماشيا فيصلي فيه (1) فكيف يجتمع هذا الأصل مع لسان وهذا الحديث الذي هو لسان الإباء عن التخصيص؟
إنه لا يصح لنا أن نقول: إن النهي خصص بعمل النبي.
وهذا ربما يكشف عن كون حديث النهي عن شد الرحال غير صحيح من رأس، أو أنه نقل محرفا، خصوصا أنه نقل عن طريق أبي هريرة فقط، والاستدلال بمتفرداته أمر مشكل.
وقد تنبه ابن تيمية لهذا الإشكال فحاول أن يرفع التناقض، بين الحصر، وناقضه فقال: (إنه يستحب لمن كان بالمدينة أن يذهب إلى مسجد قبا).
وهذا الجمع لا يرفع الإشكال فإن الكلام في تخصيص النص الدال على الحصر وأنه لا يشد إلى غيره أبدا، سواء كان مستحبا للمقيم أو للأعم منه ومن المسافر.
وبعبارة أوضح: أن حديث النهي عن شد الرحال دال على النفي الشامل للمقيم والمسافر فكيف يجمع مع الحديث المخصص.