فلنفترض أن الحديث ورد على نمط الصورتين الأوليين، فنقول: إن الاستثناء لا يستغني عن وجود " المستثنى منه " وحيث لم يذكر في كلامه، فيلزم تقديره وهو أحد الأمرين:
أ: لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد إلا إلى ثلاثة. (فيكون المستثنى منه على هذا التقدير هو لفظ: مسجد).
ب: لا تشد الرحال إلى مكان من الأمكنة إلا إلى ثلاثة مساجد (فيكون المستثنى منه على هذا التقدير هو لفظ: مكان).
أما على التقدير الأول: فيجب علينا ملاحظة الأمور التالية:
أولا: أن الحديث لو دل على شئ فإنما يدل على النهي عن شد الرحال إلى مسجد سوى المساجد الثلاثة، وأما شد الرحال إلى الأماكن الأخرى فالحديث ساكت عنه، غير متعرض لشئ من أحكامه، بل النفي والإثبات يتوجهان إلى المسجد، فالمساجد ينهى عن شد الرحال إليها عدا المساجد الثلاثة.
وأما حكم شد الرحال إلى المنتزهات والمراكز العلمية أو الصناعية أو مقابر الأولياء والشهداء والصديقين والصلحاء فهو ساكت عنه ومن العجيب أن نستدل به على تحريم شد الرحال إليها.
ثانيا: إن النهي عن شد الرحال إلى غير هذه المساجد لا يعني تحريمه، بل يعني نفي الفضيلة فيه، وتلك المساجد وسوى الثلاثة لما كانت متساوية في الفضيلة والثواب، فلا ملزم لتحمل العبء بشد الرحال إليها.