في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣١٢
الثاني: الإجماع، لإطباق السلف والخلف، لأن الناس لم يزالوا في كل عام إذا قضوا الحج يتوجهون إلى زيارته صلى الله عليه وآله وسلم وأنه من يفعل ذلك قبل الحج.
قال السبكي: هكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة وكلهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه وإن لم يكن طريقهم، ويقطعون فيه مسافة بعيدة وينفقون فيه الأموال، ويبذلون فيه المهج، معتقدين أن ذلك قربة وطاعة، وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على مر السنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم يستحيل أن يكون خطأ وكلهم يفعلون ذلك على وجه التقرب به إلى الله عز وجل، ومن تأخر فإنما يتأخر بعجز أو تعويق المقادير مع تأسفه عليه ووده لو تيسر له ومن ادعى أن هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطئ.
وما ربما يقال من أن سفرهم إلى المدينة لأجل قصد عبادة أخرى وهو الصلاة في المسجد، باطل جدا، فإن المنازعة فيما يقصده الناس مكابرة في أمر البديهة فمن عرف الناس عرف أنهم يقصدون بسفرهم الزيارة يعرجون إلى طريق المدينة ولا يخطر غير الزيارة من القربات إلا ببال قليل منهم، ولهذا قل القاصدون إلى البيت المقدس مع تيسر إتيانه، وإن كان في الصلاة فيه من الفضل ما قد عرف، فالمقصود الأعظم في المدينة الزيارة كما أن المقصود الأعظم في مكة الحج أو العمرة، وصاحب هذا السؤال إن شك في نفسه فليسأل من كل من توجه إلى المدينة ما قصد بذلك؟ (1).
الثالث: إنه إذا كانت الزيارة قربة وأمرا مستحبا على الوجه العام أو

(1) شفاء السقام في زيارة خير الأنام لتقي الدين السبكي: 85 - 86، ط بولاق مصر.
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»