سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١٦
ينفعهم بعد ذلك إلا الحل الإلهي والتدخل الإلهي عندما تصل النتيجة إلى هذا الحد.
* (قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) * (1) عصوه لأنهم لم يستجيبوا له بحيث كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعون دعوته، وبعصيانهم هذا اتباع للهوى والظلال فرأى نوح سلام الله عليه أن يذيل تقريره باليأس منهم حيث قال: - * (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) * (2) وختم نوح (عليه السلام) تقريره الذي يعبر عن المأساة التي عاشها لحظة بلحظة واستحق بها إن تدرج سورة كاملة باسمه في القرآن وهي سورة نوح التي هي خلاصة تقريره الذي ختمه في نهاية المطاف بالدعاء والمغفرة له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات الذين دخلوا بيته ولم يقصد البيت المادي بل قصد الدخول في دعوته ودينه الذي هو دين التوحيد على مر العصور.
فهذا التقرير هو حصيلة المواجهة بين نوح وقومه رفعه إلى أعلى سلطة متصورة لينتظر منها الحل المناسب حتى تنتهي تلك التجربة المريرة التي خاضها مع قلوب * (كالحجارة أو أشد قسوة) * (3) وما أن انتهى من رفع هذا التقرير حتى جاء الجواب الإلهي ليخفف عن نوح المواجهة ويطيب خاطره فقال تعالى * (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تيأس بما كانوا يفعلون) * * (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) * (4) وبالفعل باشر نوح (عليه السلام) بصنع السفينة ولم يكف القوم عنه بل راحوا يستهزءون منه ومما يفعل ولم يزد نوح هذا العمل إلا إصرارا وعزيمة في بناء السفينة والامتثال للأمر الإلهي انتظارا لأمر الله وفوران التنور * (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل) * (5) فامتثل نوح (عليه السلام) لأمر الله وتوجه إلى من أراد أن يركبهم في السفينة * (قال اركبوا

(١) (٢) نوح: ٢٧.
(٣) البقرة: ٧٤.
(٤) هود: ٣٦ - ٣٧.
(٥) هود: ٤٠.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»