سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١٥
الخصوم عادة أحدهما يقيم دليلا والآخر يدفعه أما قوم نوح (عليه السلام) كانوا يفرون من دعاء هذا العبد الصالح، ولهذه المواجهة وهذا الأسلوب وقع مؤلم في قلب الداعي ولم يقف نوح (عليه السلام) عند هذا الحد في رفع تقريره بل أكد ذلك بقوله * (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) *.
نوح سلام الله عليه يدعو ليغفر الله لقومه والقوم يواجهوه بوسائل عديدة لإيقافه والوسيلة الجديدة هي منع الحواس من الاستماع والنظر إلى نوح (عليه السلام) حتى يقولوا له لا فائدة من دعوتك لنا وإنا قوم مستكبرون.
فعندما يلاحظ الإنسان المعادلة بين نوح وقومه، فنوح يدعو الله ليغفر لقومه والقوم يفرون منه ويمنعون حواسهم من الاستماع والنظر إليه فعندما يلاحظ هذه المعادلة تجد الطرف الداعي يمتلك كل مقومات الإنسانية حتى وصل به الحد إلى الدعوة لغفران ذنوب الذين لا يستحقون حتى الكلام معهم أما الطرف الآخر لا يعرف من الإنسانية شئ ولا يريد أن يخضع لمقومات العقل وللطرق السائدة في المجتمعات البشرية.
وحسبهم هذا التفاوت بيننا * فكل إناء بالذي فيه ينضح (1) واستمر نوح في تقريره وفصل فيه كل جوانب دعوته ابتداءا بالوقت المبذول للتبليغ * (قال ربي إني دعوت قومي ليلا ونهار) * (2) ومرورا بوسائل الأعداء التي واجهوه فيها * (جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) * ثم ذكرهم سلام الله عليه في تقريره بالنعم التي أنعم الله بها عليهم * (ما لكم لا ترجعون لله وقارا) * * (وقد خلقكم أطوارا * () * ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا) * * (وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا) * * (والله أنبتكم من الأرض نباتا) * * (ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) * * (والله جعل لكم الأرض بساطا) * * (لتسكنوا منها سبلا فجاجا) * (3) وبعد ذلك أراد نوح سلام الله عليه أن ينهي تقريره ولكن كيف ينهي تقريره ولم يحصل على النتيجة النهائية من قومه فظل يدعوهم وهم يفرون وينكرون إلى أن استيقن نوح (عليه السلام) بأن قومه * (مكروا مكرا كبارا) * فلم

(١) ابن الصيفي (٢) نوح: ٥.
(٣) نوح: ١٣ - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 20.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»