وفيه ما انتحلوه من الزبور.
وردت أخبار متباينة في كيفية سقوط جرهم. فمن ذلك ذكره ابن هشام (1). إن جرهما بغوا بمكة واستحلوا خلالا من الحرمة، فظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ففرق أمرهم فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة من كنانة وغيشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة، وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك مكانه. فيقال إنها ما سميت بكة إلا أنها كانت تبك أعناق الجبابرة إذا أحد توفيها شيئا فلما أحس: عمرو بن الحارث الجرهمي خرج بغزالي الكعبة وبحجر الركن فقذفها في زمزم. وانطلق هو ومن معه إلى اليمن فخرجوا على ما فارقوا عن أمر مكة وملكها حزنا شديدا فقال عمر بن الحارث بن عمرو بن مضاض في ذلك شعرا:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر فقلت لها والقلب مني كأنما * يلجلجه بين الجناحين طائر بل نحن كنا أهلها فأزالنا * صروف الليالي والجدود الغوائر وكنا ولاة البيت من بعد نابت * نطوف بذلك البيت والخير ظاهر ولهذا الشعر قصة لطيفة: أن عمرو بن الحارث كان قد نزل بقنونا من أرض الحجاز. فضلت له إبل فبغاتا حتى أتى الحرم. فأراد دخوله ليأخذ إبله، فنادى عمرو بن لحى: من وجد جرهميا فلم يقتله قطعت يده. فسمع بذلك عمرو بن الحارث وأشرف على جبل من جبال مكة، فرأى إبله تنحر ويتوزع لحمها، فانصرف بائيا خائفا ذليلا وأبعد في الأرض وبغربته يضرب المثل، ثم قال هذا الشعر.
وفي رواية اليعقوبي (2). أن جرهم لما طفت وظلمت وقفت في الحرم وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها. سلط عليهم الذر فأهلكوا عن آخرهم ورواية المسعودي (3) تقول لما بغت جرهم في الحرم وطغت حتى فسق رجل منهم في الحرم بامرأة بعث الله على جرهم الرعاف والنمل وغير ذلك من الآفات فهلك كثير منهم، وكثر ولد إسماعيل وصاروا ذوي قوة ومنعة فغلبوا على أخوالهم جرهم وأخرجوهم من مكة فلحقوا بجهينة. فأتاهم في بعض الليالي السيل فذهب بهم.
فعاليات جرهم: