معه في السفينة - على الكرة الأرضية (١). فكان سام الابن الأكبر لنوح ووصيه كذلك، جعله في القسم الذي فيه مكة. وفي الفترة بين نوح (عليه السلام) وإبراهيم (عليه السلام) لم يحدثنا التاريخ أن مكة بنيت في هذه الفترة أو مصرت. إلا أنها بقيت مقدسة وكان يأتيها المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ويدعوا عنده المكروب، فكل من دعا هنالك استجيب له. وكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه لإبراهيم (عليه السلام) (٢).
زعامة إبراهيم في خضم الصراع البشري بين الحق والباطل والكفر والإيمان. ينتصر إبراهيم (عليه السلام) لرسالة الحقد بعد أن ادخره الله وحفظه بالإعجاز من طاغوت عصره النمرود. ليكلفه تبليغ رسالة السماء وتكلفه هذه الرسالة الشئ الكثير وتضطره للهجرة هنا وهناك والتنقل من بلاد إلى أخرى ويبتليه كما ابتلي سائر الأنبياء والرسل ويمتحنه عدة امتحانات ومما أمتحن به إبراهيم (عليه السلام) خلوة من الولد - بعد أن بلغ من العمر عتيا - ليكون وصيه يحمل هم الرسالة من بعده. فمد يد الضراعة إلى الله والسؤال ﴿ربي هب لي من الصالحين﴾ (٣) ويأتي الجواب من رب العالمين ﴿وبشرناه بغلام حليم﴾ (4) لكن لا من زوجته ساره. وإنما من أمها هاجر. التي وهبتها لإبراهيم (عليه السلام). بعد أن دفعتها مشاعر الحنو إلى صوت الطفولة ليبدد سكون البيت الممل. ولكن لما تلد هاجر إسماعيل تنقلب المشاعر إلى مشاعر الغيرة الكامنة في النفس. فتطلب سارة من إبراهيم أن لا يساكنا مع هاجر في مكان واحد. فيأتي الأمر الإلهي لإبراهيم (عليه السلام) أن يهاجر بهاجر وابنها إلى حرم الله. ولما انتهت الرحلة بأرض مكة القاحلة توجه إبراهيم إلى ربه (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك الحرام) (5) فاستجاب له ربه أن هيأ أسباب الحياة في ذلك الوادي فنبع الماء من تحت قدم إسماعيل. ثم جاء الرئيس الذي ترجوه هاجر بعد ما دلت الطيور النازلة في ذلك الوادي على الماء فاجتذبت تلك الطيور إحدى القوافل إلى ذلك الوادي فوجدوا هاجر وابنها تحت عريشها. فاستأذنوها بالهبوط معها في ذلك الوادي فأذنت لهم مستبشرة بذلك، ولما علموا أنها حرم إبراهيم وهذا ابنه إسماعيل زادوها احتراما وأهدوا لولدها مجموعة من الماعز ولما بلغ إسماعيل (عليه السلام) مبلغ الرجال تزوج منهم زوجته الأولى.