ولا يعقل أن يكون الكون علة لحركة نفسه، لأننا بعد أن فرضنا أن حركة الكون عبارة عن خروجه من القوة إلى الفعل، فإن أية ظاهرة كونية ينطبق عليها هذا القدر، بمعنى أن يكون وجودها، بخروجها من القوة إلى الفعل، وهي في هذا الخروج محتاجة إلى من يخرجها من تلك المرحلة إلى هذه المرحلة. ونتيجة الالتزام بعلية الكون نفسه لحركته، التسلسل في العلل والمعلولات إلى ما لا نهاية.
مثلا، لو أخذنا الظاهرة الكونية (أ)، فهي لتتحرك، لا بد من وجود شيئين فيها، شئ بالقوة، وشئ بالفعل.
وإذا كانت الحركة - كما سبق - خروجا من القوة إلى الفعل، فهي لتتحرك، تحتاج إلى وجود محرك يخرجها من وإلى. ولنفرضه الظاهرة (ب).
وحينئذ ننقل الكلام إلى هذا المحرك. إذ ان وجود عبارة أخرى عن حركته ما بين القوة والفعل، فهو أيضا محتاج إلى وجود محرك لنفرضه الظاهرة (ج).
وحينئذ ننقل الكلام إلى هذا المحرك الثالث، فهو في وجوده بمعنى حركته ما بين القوة والفعل، محتاج إلى محرك وهكذا دواليك، حتى تصعد بنا السلسلة إلى ما لا نهاية، في ظواهر الكون المادية. ولا تنقطع إلا بفرض محرك أقصى ما ورائي، هو فعل محض، لا تشوبه القوة بحال من الأحوال، حتى يحتاج إلى علة تخرجه منها إلى الفعل. وهو المطلوب.
ه - دليل الإمكان والوجوب:
ولا بد لنا، قبل أن نذكر هذا الدليل ملخصا، من أن نلم، ولو إلمامة مختصرة، بمعنى كل من الممكن، والواجب عند الفلاسفة والمتكلمين.