دراسات في العقيدة الإسلامية - محمد جعفر شمس الدين - الصفحة ٨٨
لبقي هذا العالم الممكن على حاله الأولى من العدم (1).
وقد يتوهم متوهم، أن العالم الممكن حسب الفرض، يكون نفسه علة هذا الترجيح من دون حاجة إلى فرض مرجح خارج عنه، لكفة وجوده على عدمه.
ولكن هذا التوهم، يزول بمجرد الالتفات إلى أن العلة، ليصح أن تكون علة، لا بد من تقدمها على معلومها ذاتا ورتبة.
ومع فرض أن العلة هي نفس المعلول، يلزم أن يكون الشيء متقدما على نفسه وهو محال، هذا أولا.
وثانيا: ليس وجوده عن ذاته بأولى من عدمه (2).
بعد أن اتضحت ضرورة وجود مرجح لكفة الوجود في العالم على كفة العدم، لا بد من أن ننقل الكلام إلى هذا المرجح، فهو بالقسمة العقلية، لا يخلو عن إحدى حالتين، إذ إنه إما واجب، أو ممكن.
فإن كان واجبا، فقد ثبت المطلوب، وهو واجب الوجود. وإن كان ممكنا، لا بد له بدوره، من علة رجحت كفة الوجود فيه على كفة العدم. وذلك لان الموجود الممكن، كما سبق بيانه، لا بد له من علة تتقدم عليه. فإن كانت العلة ممكنة، وجب أن يوجد لها علة، وهكذا إلى غير نهاية، وذلك معناه التسلسل في العلل والمعلولات، والتسلسل باطل.
فلا بد لقطع سلسلة العلل هذه، من فرض علة، يكون الوجود ضروريا لها، بل تكون محض الوجود ونفس الوجود، وهي، واجب الوجود لذاته.

(1) الإقتصاد في الإعتقاد للغزالي 14.
(2) الإشارات والتنبيهات لابن سينا 449.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 92 93 95 ... » »»