ب - بعد عصر الترجمات تلك، كانت أهم الفرق التي سبقت في الظهور عصر الترجمات. والآن لا بد من استعراض أهم المواقف الفكرية والاعتقادية، التي تولدت عن عصر الترجمات.
لقد سبق أن قلنا، بأن جوا فكريا مبلبلا، طغت فيه التساؤلات، عن ذات الله وصفاته، بشكل هستيري، لا تحده ضوابط، ولا تقيده قيود هيأ أرضيته عصر الترجمات للتراث الفلسفي اليوناني.
في ظل هذا الجو الفكري المبلبل، برز إلى الوجود فريق، أخذ على عاتقه مهمة الإجابة على تلك التساؤلات، عن معاني الآيات المتشابهة، بتأويله تلك الآيات التي ذكرنا طرفا منها في مطلع هذه البحوث. وهذا الفريق، هو ما يعرف باسم: المشبهة أو المجسمة.
1 - المشبهة أ - صنفا المشبهة:
والذي يبدو، أن هؤلاء المشبهة، كانوا صنفين:
الأول: جعل التشبيه بين ذات الله وبين جسم الإنسان، فقال بأن المعبود جسم ولحم، ودم. وله جوارح وأعضاء من يد، ورجل، ورأس، ولسان، وعينين وأذنين (1) وأجازوا عليه - كما يقول الشهرستاني - الانتقال والمصافحة. وحكي عن داود الجواري أنه قال: اعفوني عن الفرج واللحية، واسألوني عما وراء ذلك. وقال: ان له وفرة سوداء، وشعرا شديد الجعودة (2):
وقد غلا هؤلاء غلوا فاحشا، حيث زعم أنه سبعة أشبار بشبر نفسه (3).
الثاني: جعل التشبيه في الصفات وذلك حين زعم بعضهم أن لله إرادة حادثة، وكلاما حادثا مثل ما للإنسان. وحين زعم آخرون، أن الله لا يعلم أن الشيء سيكون قبل أن يكون مثله في ذلك مثل الإنسان أيضا (4).